قصص

قصة جلب اسود

قصة جلب اسود مَكُنتش عارفة أتصرَّف ازّاي وأنا لوَحدي؛ مَنظر الدَّم وهو نازِل من إيدي زوِّد الخوف اللي جوّايا، كُل تَفكيري كان في إنّي أوقَّف النزيف، مسِكت قُماشة المَطبخ وقفلت عليها كَف إيدي بكُل قوّتي، خَرَجت وجِسمي كان بدأ يِبرَد بسبب الدَّم اللي نزفته، حَسّيت بِرعشَة وأنا بَتحرَّك، وكُنت عارفة إن الجَرح اللي في إيدي لازِم يتخيَّط.
ولأنّي عايشة لوحدي من بَعد ما انفَصَلت، مَكَنش في حَد يساعِدني، دا غير إنّي قاطعة علاقتي بالنّاس ومحدِّدَة علاقاتي، مَحبِّتش أتّصل بِحَد، لكن قِدرت ألبس عبايتي السَّودَة وأخرُج، نزِلت السِّلم على مَهلي لِحد ما وصلت للشارع، وساعتها وقَّفت توكتوك فاضِي، وطلَبت منّه يوصَّلني للمستشفى.
لمَّا وصَلت كُنت حَسّة بهبوط شديد، لأن النَّزيف مَكَنش وَقَف، ولمّا استَقبلِتني مُمرّضة وشافِت الجَرح؛ طلبِت منّي أدخل أوضة مكتوب على بابها جراحات صُغرى، نفّذت اللي طَلبِته وِدخَلت، وفي الأوضة طلبِت منّي أقعد على شيزلونج أبيض، ساعِتها شالِت القُماشة اللي كَتَمت بِها الدَّم، وبدأت تنضَّف الجَرح بالقُطن اللي كان فوق ترابيزة حديد لونها أبيض، مكُنتِش شوفت الجَرح من الدَّم، لكن لمّا اتنضَّف لقيت إن كف إيدي مَفتوح بالعَرض فَتح عَميق، غمَّضت عيني لأنّي مَتحمّلتش أشوف المَنظر، وساعتها قالت لي:
-جرح صَعب ربنا يكون في عونِك، دقيقة ودكتور “فؤاد” ييجي على شان محتاج خياطة.
مَفاتش وقت طويل، ودَخل شاب طويل وخَمري شَعره أسود، كان لابِس بالطو أبيض، أوّل ما شافني مِسك إيدي على شان يشوف الجَرح، مُش عارفة إيه اللي حَصل لّي أوّل ما قرَّب منّي، إحساس غريب خلّاني أنسى الجَرح والدَّم، وبدأت أركّز معاه، مَنتبَهتش غير على صوته وهو بيقول:
-إيه اللي جَرح إيدك؟
كَتمت الخضّة اللي حسّيت بِها لمّا كلّمني وقولت:
-سكّينة المَطبخ عدَّت على إيدي.
-يعني هي عدّت للدرجادي؟!
مكُنتِش عارفة أرُد، أو على شان كلامي يكون مَظبوط كُنت مِتلخبطة، فضِلت ساكتة ومن وقت للتاني بَلمَحه بطرف عيني، لحد ما لقيته بيجهّز الإبرة والسِّلك اللي هيستخدمهم في الخياطة.
قَبل ما يبدأ بدأ يتكلّم معايا، زي ما يكون بيتوّهني على شان يشغل تركيزي مع الإبرة، وسألني:
-اسمِك إيه؟
ردّيت وأنا بخطَف نَظرة له بطرف عيني وقولت:
-“نهلة”.
مَفاتش وَقت طويل وكانت إيدي متخيّطة، بَعدها رَبط لي الجَرح وكتب لي مضادات حيوية، وحدّد موعد متابعة على شان يشوف الجَرح ويحدّد موعد فّك السّلك، ولمّا خرجت من المستشفى حسّيت برغبة شديدة في الدكتور، يمكِن حُب التملُّك اللي جوّايا هو اللي خلّاني أفكّر بالطريقة دي، أو جايز فَشلي في تجربتي الأولى واتّهام الناس ليّا بإنّي فاشلة هو اللي دَفعني للشعور دَه، أصل المُجتمع عندنا مُش بيرحم، بيتعامل مع المنفصلة بطريقة مُش لطيفة، على شان كِدَه تَفكيري راح للدكتور، اللي كان باين عليه إن فرق السّن بيني وبينه مُش كبير، دا غير إن لو اللي في بالي حَصل، هيكون رد اعتبار قوي قدّام كل اللي قال لي كلمة حَرقت دمّي، لكن لقيتني بسأل نفسي، دَه مُمكن يحصل ازّاي؟ يعني إيه اللي مُمكن يجيب الشّامي للمَغرَبي؟!
في التوكتوك وأنا في طريقي للشقة؛ جَت في بالي فِكرة أوّل مرة تفكيري يروح عندها، لمَّا افتكرت رسالة وصلتني من حساب على الفيس بوك، وكان محتواها بيتكلّم عن شيخة بتعمل شغل روحاني، جَلب حبيب ورد مُطلّقة وكلام من دَه، لقيت نفسي بفتح تليفوني وبرجَع للرسالة، ردّيت عليها على شان أتواصل معاها، كَتبت وقولت لها إنّي عَوزاها في شُغل، وطلبت منها تكتب لي عنوانها على شان أروح لَها.
ويادوب وصَلت ونزِلت من التوكتوك، وسمعت صوت رسالة وصلِتني، ولمّا بصّيت في تليفوني لقيتها من حساب الشّيخة، اللي ردّت عليا بالعنوان ورقم تليفون بَس بدون ما تقول اسمها.
العنوان كان في مكان مُش هقول إنّه قريّب، لكن هياخد حوالي ساعة مواصلات، وأنا مَكَنش فارق معايا المشوار، وتاني يوم لمّا حسّيت إنّي كويّسة أخدت بَعضي وروحت على عنوانها، وطبعًا كُنت محتاجة أسأل هناك على مكانها بالظبط، ماهي كانت أوّل مرَّة أروح، كُنت كل ما أسأل حد يبُص لي من فوق لِتَحت ويمشي، لحد ما سألت عيّل صغير بيلعب في الشارع، وساعتها شاور لي على بيت من دورين وهو بيقول:
-دَه بيت الشيخة “سميحة”.
مشيت لحد البيت ولمَّا وصلت خبَّطت على الباب، فَتحت لي واحدة قمحيّة جِسمها مليان، بصّيت لها شويّة وهي كمان كانت بتبُص لي، لحد ما قولت لها:
-الشيخة “سميحة”؟
فَتحت الباب على آخره وهي بتقول:
-اتفضّلي، الشيخة “سميحة” جوّه.
دَخلت وأنا بتجاهل أي شعور جوّايا بيطلب منّي إنّي أرجع، البيت بسيط، كَنب عربي وأرضية عادية حتى مش بلاط أبيض، فوقها حصيرة بلاستيك، لَفت انتباهي دخان بخور خارج من باب أوضة متوارب، في اللحظة دي لقيت السّت اللي فَتحت لي الباب بتقول لي:
-اتفضّلي ادخلي، الشيخة جوّه.
كمّلت طريقي لحد الأوضة، وساعتها زقّيت الباب ودخلت، شوفت الشيخة اللي كانت ملامحها قريّبة من ملامح الست اللي فَتحت لي، مكَنش في غير الكنبة العربي اللي قاعدة عليها، وقدّامها ترابيزة عليها مبخرة، وجنبها كام كرسي، الحيطان كانت مليانة سِبح كبيرة ومكتوب عليها حاجات مش مفهومة بالطباشير، وقفت في مكاني مُش عارفة أعمل إيه ولا أبدأ منين، وفضِلت في الحيرة دي لحد ما قالت:
-اتفضّلي ارتاحي.
قعدت على كُرسي من اللي موجودين وأنا بحاول أبعِد وشّي عن دُخان المَبخرة، وساعتها سألتني:
-إيه المُراد؟
مُش عارفة ليه اتردّدت أتكلّم في الأول، لكن بعد كام ثانية كِدَه قولت لها:
-جَلب.
بمجرّد ما قولت لها كِدَه حدفت شويّة بخور في المَبخرة وقالت:
-بسيطة، اسمُه إيه؟
اتذكّرت الاسم اللي المُمرّضة قالته؛ فقولت لها:
-“فؤاد”.
-اسم أمه؟
اتلجلجت وقولت:
-مُش عارفة.
-مُش مُشكلة، حتى لو مُش عارفة اسمها هنقدر نِحقّق لك مُرادِك، بَس لازِم حاجة من أَطَره.
لقيت نفسي بسألها وبقول لها:
-لازم؟
-طبعًا لازِم، أومال هيخلّوه يحضَر ازّاي؟ لازِم يعرفوه على شان مُرادِك يتحقَّق.
سَرحت في التفكير وأنا بسأل نَفسي هَوصَل ازّاي للأَطر بتاعه، ولمّا الشيخة لَقتني مَردّتش عليها قالت:
-هو صَعب إنّك تجيبي أطَره؟
كُنت لسّه بفكّر، على شان كِدَه هي كمّلت كلامها…
-مُش بتشوفيه يعني ولا هو بعيد عنّك؟
-الحقيقة هو دكتور في المستشفى اللي عندنا، وحكاية أَطَره دي بفكّر فيها.
-حاولي تجيبي أي حاجة تكون فيها ريحته أو استخدمها وأثرُه فيها.
خرجت من عند الشيخة على شان أروَّح، وتفكيري كان في الطريقة اللي توصّلني للأَطَر، افتَكرت موعد الزيارة اللي المفروض هيشوف فيها الجَرح ويحدّد موعد فك الخياطة، لكن قرَّرت أروح المُستشفى قبلها، لمّا نزلت من العربية؛ أخدت توكتوك وطلعت على هناك، والصدفة خدمتني ولقيت المُمرضة اللي استقبلتني المرة اللي فاتت، أوّل ما شافتني افتَكرتني، جَت ناحيتي وعينها على إيدي المربوطة وقالت:
-حَصل حاجة في الخياطة؟
ردّيت وأنا متوتّرة وقولت:
-لأ، بَس…
مكمّلتش كلامي ولقيت نَفسي بَتلَجلج، في اللحظة دي بصَّت لي باستغراب وقالت:
-مالِك؟ المفروض إن ميعادك بعد أسبوع.
في اللحظة دي خرج منّي سؤال تلقائي؛ معرفش ازّاي لساني طاوعني وقولته:
-الدكتور “فؤاد” موجود؟
-موجود بَس في العمليات، محتاجة حاجة؟
مكُنتِش عارفة أتحكّم في نفسي، التّوتر كان باين عليا، وتقريبًا هي فهمتني، أصل الحاجات دي بتبقى واضحة خصوصًا للواحدة السِّت، على شان كِدَه لمّا ملقِتش كلام أقوله قالت لي وهي بتضحك ضحكة باهتة:
-عاوزة الدكتور في إيه؟
طريقتها خلَّتني أندَفِع وأقول لها:
-هو مُرتبط؟
لمّا سألتها السؤال ده، ضِحكت ضحكة خلَّتني في نُص هدومي، لكن إجابتها خلَّتني آخد نفسي شويّة لمّا قالت:
-لا هو مُنفصِل، وبيكره صَنف السّتات كُره العَمَا.
مكَنش يهمّني هو بيكرَه ولا بيحب، كُل اللي ركّزت فيه هو إن ظروفنا متشابهة، ويمكن دَه اللي خلَّاني أصِر على إنّي أكمّل الطريق اللي بدأته.
يِمكن الصدفة خدمتني أكتر؛ لمّا لقيت الدكتور “فؤاد” جاي علينا وهو بلبس العمليات، كان باين عليه إن العملية مُرهقة لأنّه كان عَرقان ومُجهَد جدًا، كان منزّل الكمامة على رقَبته وفي إيده قُماشة لونها أخضَر بيمسح فيها عرقه، ولمّا شافني كرَّر عليّا نَفس السؤال اللي الممرضة سألته، إن كانت الخياطة حصل فيها شيء، حاولت إن تصرفاتي تكون طبيعية وقولت له وأنا بَدَّور على حِجّة مقنعة:
-أنا بَس نسيت موعد المتابعة؛ فكُنت جاية أتأكّد هو امتّى.
ساعتها طلب منّي أدخُل وراه مَكتبه، ولمّا دخلت قعدت على كُرسي من اللي قدام المَكتب، بَص على إيدي من غير ما يفك الرُباط، وبعدها طلَّع ورقة روشتة وكَتب لي فيها الموعد وقال لي:
-خلّي الورقة معاكِ على شان مَتنسيش، حافظي على الجَرح وخُدي المُضادات على شان يِلِم بسُرعة.
ويادوب كمّل كلامه، ولقيت المُمرضة بتنادي عليه على شان يطلع للحالة اللي كانت بتعمل عملية، فهمت إنها حالة طارئة لمّا خرج بدون ما يكمّل كلامه، لكن عيني جَت على مَكتبه، كان ناسي عليه القُماشة اللي ماسِح فيها عَرقه، مَفكّرتش كتير وانتَهزت الفُرصة، ومدّيت إيدي أخدتها وحطّيتها في شنطتني؛ ومشيت.
تاني يوم كُنت في بيت الشيخة، عطيتها القُماشة وقولت لها إن دي أقصى حاجة أقدر أجيبها، ساعتها قالت لي إن الأَطر كفاية، وطلبِت منّي أروح لها تاني يوم آخد منها حِجاب، وأجيب معايا ألفين جنيه.
مَكَنش فارِق معايا الفلوس لأني ميسورة الحال، روحت لها تاني يوم على ميعادنا، أخدت الحِجاب وعطيتها الفلوس، وقالت لي إن الحِجاب لازم يتحط لمدة 3 أيام على الأقل، في مكان هو بيتواجد فيه دايمًا، ودَه اللي خلَّاني أقول لها:
-لكن مَعرفش غير مَكتبه في المستشفى، ومَعرفش إن كان حد غيره بيكون متواجد فيه ولا لأ.
-المهم مكان يتواجد فيه لمدة 3 أيام، حتى لو غيره بيكون موجود عادي، خادِم الحجاب هيجيب اللي أطَره في الحِجاب.
خرجت من عندها وأنا حَسّة إني شايلة حلم حياتي في شنطتي، كُنت منتظرة أشوف نتيجة الخطوة دي إيه، بقيت أعِد في الأيام يوم ورا التاني؛ لحد الموعد اللي مكتوب في ورقة الروشتة، في اليوم دَه روحت المستشفى، وكُنت متعمّدة أروح في التوقيت اللي قابلت فيه “فؤاد” مرّتين هناك، على شان أضمَن إن مفيش دكتور تاني ماسِك مكانه، الدُّنيا كانت هادية في المستشفى، مقابِلتش المُمَرّضة والريسيبشن كان فاضي، لكن باب مكتبه كان مفتوح، متردّدتش إنّي أدخل، عيني كانت بتدوَّر على أنسب مكان أسيب فيه الحجاب، كان لازِم مكان بعيد عن عُمّال النظافة أو أي حد مُمكن يكتشفه، ملقِتش غير إنّي ألزق الحِجاب في بَطن المَكتب من تَحت، مكان محدّش هيوصل له بسهولة.
الصدفة خدمتني أكتر، لمّا لقيت معايا في الشنطة حتّة لاصق طبي من اللي بستخدمه لإيدي، متردّدتش إنّي أطلّعها وأثبّت الحجاب في بَطن المَكتب، ويادوب رجعت على الكرسي وقعَدت؛ ولقيت الدكتور “فؤاد” داخل، اتفاجئ بوجودي واستَغرب وقال لي:
-هي المُمرّضة مُش موجودة بَرَّه؟
كُنت فاهمة هو بيسأل ليه؛ على شان كِدَه ردّيت وقولت:
-مَكَنش في حَد برَّه، وباب المَكتب كان مفتوح.
مطوّلش معايا في الكلام، بدأ يفِك الرُّباط من إيدي ويشوف الخياطة، وساعتها قال لي:
-الجَرح لامِم، الأسبوع الجاي نفِك الخياطة إن شاء الله.
وللمرّة التانية؛ سَحب ورقة روشتة وكَتب فيها موعد فَك الخياطة، وناولي الروشتة وهو بيقول:
-الموعد معاكِ على شان مَتنسيش.
في الليلة دي لمّا روَّحت؛ نِمت وكُنت حَسّة براحة غريبة، ولمّا عيني غمَّضت الراحة اتحوّلت لكابوس، لمّا شوفت نفسي في شقّة مهجورة، حيطانها لونها أسود زي ماتكون آثار حريقة، وإن سِقفها بينزّل دَم فوقي.
صحيت مَخضوضة من المَنظر، نَفَسي كان هربان ومخنوقة، لكن طمّنت نفسي بإن دي هواجِس بسبب التفكير في اللي حَصَل، لكن الكابوس كان بيتكرَّر، نَفس الشقة ونَفس الدَّم، واللي في آخر مرَّة مكَنش السَّقف هو اللي بينزّل دَم فوقي، دا الدَّم كان نازل من إيدي!
روحت المستشفى في اليوم اللي المفروض أفك فيه الخياطة، وهناك اتفاجئت بتغيير كبير في طريقة تعامل الدكتور “فؤاد” معايا، نظرته مُختلفة ولهجته لطيفة، ولمّا خلَّص فَك خياطة لقيته بيسألني إن كُنت مُرتبطة ولا لأ، ولمّا قولت له إنّي مُنفصلة لقيت ملامحه بتقول إنّه مَبسوط من اللي سِمعه، وانتهى حوارنا بإنّه سألني عن عنواني.
مكَنش لازِم أفوّت الفُرصة دي؛ فسألته عاوز العنوان في إيه، وساعتها سمعت الإجابة اللي عاوزة أسمعها وهو بيقول:
-هَجيب والدتي وهعمل لكم زيارة.
في اللحظة دي عرفت إن الشيخة “سميحة” سرّها باتِع، فردّيت عليه وقولت له:
-لكن أنا عايشة لوحدي، مَليش غير خال واحد، قول لي الموعد اللي يناسبك على شان أطلب منّه يكون موجود.
وفعلًا، خالي كان موجود في الموعد، حطّيت إيدي على قلبي لحد ما الموضع يِتِم، كُنت خايفة من الفَشل، مُش عاوزه أكون محَل سخرية للمرّة التانية، لحد ما الباب خبَّط، واتفاجأت به لمّا فَتحت ووالدته معاه، الموضوع خلِص في نُص ساعة، مكَنش ليّا طلبات وهو كان نفس حالتي، الظروف واحدة وكل واحد كان بيزُق الموضوع من ناحيته على شان يِتِم.
بَعد أسبوع كُنت عايشة معاه في شقّته، عملنا حفل على الضّيق بعد كتب الكِتاب، وطبعًا نشرت صوري معاه على الفيس بوك؛ على شان أكيد كل اللي اتكلّموا عنّي أو حسّيت منهم نظرة شماتة.
أوّل أسبوع كان لطيف جدًا، كُنّا قُريّبين من بَعض، كان بيخرج شُغله ويرجع، نتكلّم ونقعد وعايشين حياتنا، لكن بعدها بدأ يغيب كتير، وبدأت أحِس بفراغ ومَلل، لدرجة إنّه كان بيبات برّه وطبعًا أنا عارفه إنه بيكون بايت في شُغله، قولت مع الوقت هتعوّد على طبيعة شغله، لكن الكابوس اتكرَّر، الشَّقة اللي حيطانها باللون الأسود، الدَّم، الخوف اللي بحِس به، كل شيء كان مُرعب.
آخر مرَّة شوفت فيها الكابوس، صحيت من النوم مفزوعة، خرجت أغسل وشّي على شان أحاول أخلص من الخوف اللي جوّايا، وساعِتها شوفت “فؤاد” كان واقِف في الحمّام بيبُص للمرايا بشكل مُخيف، عينه مفتوحة بطريقة غريبة، لدرجة إنه مَكَنش حاسِس بوجودي، ناديت عليه أكتر من مرَّة لكن ولا هو هنا، استغربت هو رِجع من شُغله إمتى لأنه المفروض بايت في المُستشفى، لمّا لقيته مُش مُنتبه ليّا بقيت ألِف حوالين نفسي، لكن لمّا رجعت أبُص عليه؛ اتفاجأت إنه اختفى من الحمام، فَص ملح وداب، كُنت هَقع من طولي في الأرض، حسّيت بدوخة؛ وده اللي خلَّاني أسنِد على الحيطة اللي جَنبي، في اللحظة دي باب الشَّقة اتفتح، ولقيت “فؤاد” داخل، كُنت حَسّة إن عقلي هيطير من مكانه، لكن لمّا شافني في الحالة دي؛ لقيته بيقرّب ناحيتي بهدوء، مُش عارفة ازّاي كان بالبرود دَه وهو شايفني تَعبانة قدّامه، وأوّل ما وصل ليّا مسِك إيدي وقال:
-حَاسّة بإيه؟
قولت وصوتي كان شِبه رايح:
-هبوط شديد.
دَه اللي قدِرت أقوله، مرضِتش أجيب سيرة اللي شوفته، لأنه طبعًا ميعرفش بموضوع الحِجاب ولا اللي أنا عملته، دي فيها خراب البيت، وكُنت عارفة إن دي هواجس من عقلي الباطِن بسبب دخولي بيت الشيخة “سميحة” أو بسبب الموضوع عمومًا، ساعتها سَندني لحد ما دخلنا الأوضة، وتاني يوم أخدني على معمل تحاليل قريّب، وعملت تحليل كَشف حمل، واتفاجأت إن النتيجة طلعت إيجابية.
الفَرحة مَكَنِتش سايعة “فؤاد”، لكن كُنت خايفة من جوّايا، وخوفت أكتر لمّا يومها بالليل حسّيت بِحَركة في بطني، استغربت ازّاي مُمكن حَمل عُمره أيام بَس يتحرّك كِدَه.
في الليلة دي نِمت؛ وحلمت بنفسي في نفس الشَّقة، لابسة عباية لونها أبيض، وشعري نازل على وشّي، كُنت واقفة وبنزِف، والأرض من حواليّا غرقانة دَم، حسّيت بألم شديد في بَطني، زي ما تكون مخالِب بتمزّعها من جوّه، والغريبة إن “فؤاد” كان واقف قدّامي بنفس الطريقة اللي شوفته واقِف بها في الحمّام وبيضحك ضحكة غريبة.
قومت من النوم وأنا بَصرخ، كُنت في نُص الليل، واتفاجأت بإن السرير عليه دَم من النزيف، مكَنش قدّامي غير إنّي أتصل بـ “فؤاد”، رنّيت كتير مردّش عليّا، واللي رعبني أكتر، إنّ بطني كان حجمها كِبر، زي ما أكون في الشهر السادس مثلًا.
مبقِتش مستوعبة اللي بيحصل معايا، فضِلت قاعدة مُش عارفة اتصرّف، لحد ما سمعت صوت الباب بيتفتح، قومت من مكاني بالعافية، روحت ناحية الباب، وساعتها لقيت “فؤاد” داخل، كان بيبُص لي بنفس البرود اللي كان عليه في الأيام الأخيرة، ولمّا لقيت منّه لامبالاة؛ قولت له أنا عاوزة أروح المُستشفى.
إصراري كان أقوى من رفضه، ومُش عارفة سَبب يخليه يرفُض إننا نروح، كان لازِم أعرف أنا فيّا إيه، نزِل معايا غَصب عنّه، وفي الشارع لقيت إن عَربيته مُش موجودة، دي أصلًا كانت أوّل مرّة أخرج فيها بعد جوازنا، إحنا لسّه في نهايات شَهر العسل، ولمّا سألته فين العربية قال لي:
-عطلانة وعند الميكانيكي.
شاوِرت لتوكتوك معدّي بالصدفة، ركبنا وطلعنا على المستشفى، ولمّا وصلنا دخلت على جوّه وهو ورايا، روحت على مكتبه على شان الدكتور اللي موجود يكشف عليّا، وفُرصة إنه معايا واللي موجود زميله، لكن أوّل ما حطّيت رِجلي في المَكتب كُنت هَقَع من الصَّدمة.
اللي كان قاعد على المكتب هو “فؤاد”، لكن كان لابس هدوم مُختلفة، بصّيت ورايا والرعب بياكُل في جِسمي، ولقيت برضُه إن اللي ورايا “فؤاد”، لكن على وشّه ضِحكة باردة وغريبة.
مبقتش عارفة مين فيهم “فؤاد” ولا مين فيهم اللي اتجوّزته، في اللحظة دي لقيته بيقوم من على المكتب وبيسندني لأنّي خلَّاص كُنت هسقط في الأرض، قعدت على الشيزلونج اللي موجود، في اللحظة دي كان “فؤاد” بيدخل المَكتب بنفس الضحكة الباردة اللي بيضحكها، كُنت في صدمة منعاني من الكلام، لكن “فؤاد” اللي قام من على المكتب ودخّلني على الشيزلونج قال لي:
-مُش أنتِ السِّت اللي كانت إيدها بتتخيّط هنا من فترة؟
استغربت إنه ناسي اسمي، في اللحظة دي سمعت صوت ضِحكة، ولمّا بصّيت ناحيته “فؤاد” اللي اتجوّزته، لقيت ملامحه متغيّرة، وشّه كان لونه أسود ولون عينيه أحمر، رفعت إيدي ناحيته وأنا بصرُخ، في اللحظة دي لقيت “فؤاد” اللي كان في المَكتب بيقول لي:
-ليه بتصرُخي وبتشاوري على إيه؟
حسّيت روحي بتطلع وأنا بَنطق وأقول:
-خلّيه يُخرج من المَكتب.
ولمّا بَص في المكان اللي بشاور عليه قال لي:
-مَفيش حد هنا غيري أنا وأنتِ.
كانت صدمتي كبيرة لمّا عرفت إنّي حامل في جَنين مشّوه عُمره داخل على سبع شهور، وأنا اتجوّزت من شهر واحد بَس، خرجت من المستشفى بعد ما بقيت قادرة أقف على رجليّا، وطبعا عملت محاولات إنّي أنزّل الجَنين لكن عرفت إن العمليات دي ممنوعة، وإن دَه يعتبر قَتل روح.
أخدت توكتوك ورجعت على الشَّقة، كُنت عايزة أعرف مين اللي أنا اتجوّزته، وازّاي ده حصل في شهر واحد بس، لكن لمّا وقفت قدّام الشقة لقيت إنّها من غير باب، دا غير إنّها كانت مهجورة وحيطانها محروقة، في اللحظة دي شوفت واحد نازل على السّلم، أوّل ما شافني بَص لبطني وقال:
-بتدوّري على حاجة يا مدام؟
مكُنتش عارفة أرُد أقول إيه، لكن قولت له:
-كُنت عاوزة أصحاب الشقة دي؟
وساعتها سمعت الرَّد اللي مكُنتش عاوزة أسمعه:
-الله يرحمهم، قامت حريقة من فترة وماتوا فيها، النار مسابِتش حاجة زي ما أنتِ شايفة، وبالليل بنسمع فيها صريخ وحاجات والعياذ بالله، من الآخر الشقة دي مسكونة.
مشيت ورجعت على شقتي، لا كان معايا مفتاح ولا تليفون، لكن طلبت من البوّاب يجيب نجّار يفتح باب الشَّقة، ويمكن حظي خدمني إني كنت لابسة عباية واسعة خلَّت بطني متدارية شويّة، ولمّا دخلت الشقة افتكرت إن عندي تليفوني القديم، فَتحته ووصّلته بالراوتر، ودخلت حسابي على شان أشوف صفحة الشيخة “سميحة”، واللي اتفاجأت إنها غير متاحة، ولمّا دوَّرت عليها في الجروبات اللي كانت بتنشر فيها، عرفت إنّها اتقبض عليها بتهمة النصب والدَّجل.
لكن صادِفت صفحة شيخ كانت كل التلعيقات بتشكر فيه، متردّدتش إنّي أبعت له وأحكي له حكايتي، لكن مكَنش فيه مجال أروح له لأنّه من دولة تانية، وساعتها طلب منّي أنتظر شويّة وهيكلمني، وبعد نُص ساعة لقيته بيرن عليّا، وبعد ما عرف منّي كل التفاصيل قال لي أغرب حاجة سمعتها في حياتي:
-الحِجاب مَجَلبش “فؤاد، دا جَلب قرينه، يعني اللي اتجوّزِك شيطان من تَحت الأرض، والشقة اللي كُنتوا فيها مهجورة ومسكونة، وهو خلَّاكِ تتخيّلي إنها شقة عادية، وهو مُش هيسيبك في حالِك غير لمّا ياخُد ابنه.
بَلعت ريقي وقولت له:
-والحَل إيه؟ أنا مُش عاوزة الطفل دَه.
-الحَل إنه ينزل، لكن ساعتها هينتقم منِّك على شان ابنه.
كُنت في حيرة ما بين إنّي أكون أم لطفل أبوه شيطان من تَحت الأرض، وبين إنّي أتعرَّض لانتقام مُش عارفة هيوصل لفين، لَعنت اليوم اللي فكّرت فيه في نظرة المُجتمع، واللي دفعتني إني أروح للشيخة “سميحة”، وكرهت حتّة الطَّمع اللي كانت جوّايا ساعتها.
قفلت المكالمة وأنا مُش عارفة أعمل إيه، واتعقّدت أكتر لمّا الشيخ قال لي لازِم أولِد الطفل، لكن بدأت أفتكر الشقة اللي كُنت فيها، الحيطان السودة المحروقة، كانت نَفس الشقة اللي بشوف نفسي فيها في الكوابيس!
الأيام عدّت عليّا وأنا حابسة نفسي، بشوف “فؤاد” بشكله المُرعب اللي ظهر لي به في المستشفى، لمّا كُنت بتفاجئ به في الأوضة بالليل، وهو بيلمس بطني يطمّن على الطِّفل.
مبقتش قادرة أتحمّل التَّعب النفسي اللي أنا فيه، ما بين إني أتعرَّض لانتقام من شيطان لو نزّلت الطفل، أو إنّي أعيش أم لطفل عارفة إنه من نسل شيطاني.
في الليلة دي، لقيت نفسي رايحة على المَطبخ، وقفت أدوَّر على نفس السكينة اللي عدَّت على إيدي؛ وخلَّتني أروح المستشفى، ولمّا لقيتها مسكتها وأخدت نَفس عميق، غمَّضت عيني وأنا بحَط سلاحها على وريد إيدي، وأخدت نَفس عميق تاني، وأنا حَسّة بسلاحها بيقطع وريد إيدي نُصّين.
مَكَنش قدّامي غير كِدَه، ويادوب ثواني وكُنت بسقط في الأرض، الدَّم مغرَّق المكان حواليّا، وبعد دقايق جسمي بدأ يتلِّج، والنور بدأ ينطِفي في عيني واحدة واحدة.
***
عيني فتَّحت على صوت خطوات حواليّا، ولمّا بدأت أفوق لقيت إيدي متخيَّطة، ومتعلَّق فيها محلول، والغريبة إنّي اتفاجأت بالدكتور “فؤاد” واقِف، وأوّل ما لاحِظ إنّي حَسّة باللي حواليّا قال لي:
-أنتِ إيه حكايتك؟ مرَّة السكينة معدّية على إيدك، ومرّة محاولة انتحار، لازِم يتعمل محضر باللي حصل على شان دي جريمة.
في اللحظة دي شوفت البواب واقف على باب الأوضة، وساعتها قال لي:
-ألف سلامة عليكِ يا أستاذة “نهلة”، الحمد لله إني لحقتك، لمّا جبت لك نسخة المفتاح الصبح رنّيت الجرس كتير مفتحتيش، قلقت عليكِ واضطريت أفتَح الباب، لقيتك واقعة في أرضية المطبخ والأرض غرقانة دَم، لكن الحمد لله لحقناكِ في اللحظة الأخيرة.
إيدي راحت ناحية بطني، اللي كانت طبيعية مفيهاش أي حاجة من اللي شوفتها الفترة اللي فاتت، أخدت نَفس عميق إن الكابوس دَه انزاح، لكن لقيت الدكتور “فؤاد” بيبُص لي وبيقول:
-مبروك، أنتِ حامل في شَهر، حد برضُه ينتَحر وهو كلها كام شهر ويبقى أم؟
جِسمي اتحوّل للوح تلج من اللي سمعته، يعني اللي مرّيت بُه كان كابوس ولا كان حقيقة؟
بَلعت ريقي، لمّا عرفت إنه حقيقة، واتأكّدت من دَه لمّا شوفت “فؤاد” قاعد على كرسي في ركن الأوضة، أو اللي الحجاب جلبُه من تحت الأرض وقلب حياتي لجحيم، بس المرة دي كان ظاهر بشكل كان بيخليني أغمض كل ما عيني تيجي ناحيته، أما هو كان بيبُص لي وبيبتسم ابتسامته الباردة، ومحدّش كان شايفه غيري!زي ما اللي حواليا وقتها مكانوش عارفين أنا بفكر في إيه، وهو إني قررت لما أخرج من هنا هكرر محاولة انتحاري، بس المرة دي مش هخليها محاولة فاشلة، مش هكرر نفس الخطأ، بالعكس؛ أنا أهون عليا إني أموت ولا إني أفضل عايشة تحت رحمة الكائن ده، أو الجَلب الأسود اللي طمعي كان السبب فيه.
***
تمَّت…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى